فصل: تفسير الآيات (108- 124):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (90):

{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)}
{وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا} وتركتم دينكم. {إِنَّكُمْ إِذاً لخاسرون} لاستبدالكم ضلالته بهداكم، أو لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف وهو ساد مسد جواب الشرط والقسم الموطأ باللام.

.تفسير الآية رقم (91):

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)}
{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة وفي سورة (الحجر) {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} ولعلها كانت من مباديها. {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} أي في مدينتهم.

.تفسير الآية رقم (92):

{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)}
{الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا} مبتدأ خبره {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} أي استؤصلوا كأن لم يقيموا بها والمغنى المنزل. {الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الخاسرين} ديناً ودنيا لا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا، فإنهم الرابحون في الدارين. وللتنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول واستأنف بالجملتين وأتى بهما اسميتين.

.تفسير الآية رقم (93):

{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}
{فتولى عَنْهُمْ وَقَالَ ياقوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رسالات رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ} قال تأسفاً بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه فقال: {فكيف آسَى عَلَى قَومٍ كَافِرِينَ} ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم، أو قاله اعتذاراً عن عدم شدة حزنه عليهم. والمعنى لقد بالغت في الإبلاغ والإِنذار وبذلت وسعي في النصح والإِشفاق فلم تصدقوا قولي، فكيف آسى عليكم. وقرئ: {فكيف أيسي} بإمالتين.

.تفسير الآية رقم (94):

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأساء والضراء} بالبؤس والضر. {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} حتى يتضرعوا ويتذللوا.

.تفسير الآية رقم (95):

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)}
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة} أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدة السلامة والسعة ابتلاء لهم بالأمرين. {حتى عَفَواْ} كثروا عَدَداً وعُدَداً يقال عفا النبات إذا كثر ومنه إعفاء اللحى. {وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا الضراء والسراء} كفراناً لنعمة الله ونسياناً لذكره واعتقاداً بأنه من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا منه مثل ما مسنا. {فأخذناهم بَغْتَةً} فجأة. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزول العذاب.

.تفسير الآية رقم (96):

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى} يعني القرى المدلول عليها بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ} وقيل مكة وما حولها. {آمَنُوا وَاتَّقَوا} مكان كفرهم وعصيانهم. {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض} لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب وقيل المراد المطر والنبات. وقرأ ابن عامر {لَفَتَّحْنَّا} بالتشديد. {ولكن كَذَّبُواْ} الرسل. {فأخذناهم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الكفر والمعاصي.

.تفسير الآية رقم (97):

{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)}
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} عطف على قوله: {فأخذناهم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وما بينهما اعتراض والمعنى: أبعد ذلك أمن أهل القرى. {أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بياتا} تبييتاً أو وقت بيات أو مبيتاً أو مبيتين، وهو في الأصل مصدر بمعنى البيتوتة ويجيء بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم. {وَهُمْ نَائِمُونَ} حال من ضميرهم البارز أو المستتر في بياتاً.

.تفسير الآية رقم (98):

{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}
{أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى} وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر أو بالسكون على الترديد. {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} ضحوة النهار، وهو في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يلهون من فرط الغفلة، أو يشتغلون بما لا ينفعهم.

.تفسير الآيات (99- 106):

{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}
{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} تكرير لقوله: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} و{مَكْرَ الله} استعارة لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب. {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون} الذين خسروا بالكفر وترك النظر والاعتبار.
{أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم، وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين. {أَن لَّوْ نَشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ} أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم، وهو فاعل يهد ومن قرأه بالنون جعله مفعولاً. {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ} عطف على ما دل عليه، أو لم يهد أي يغفلون عن الهداية أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع، ولا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} سماع تفهم واعتبار.
{تِلْكَ القرى} يعني قرى الأمم المار ذكرهم. {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا} حال إن جعل {القرى} خبراً وتكون إفادته بالتقييد بها، وخبر إن جعلت صفة ويجوز أن يكونا خبرين و{مِنْ} للتبعيض أي نقص بعض أنبائها، ولها أنباء غيرها لا نقصها. {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات. {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} عند مجيئهم بها. {بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب، أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولاً حين جاءتهم الرسل، ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإِيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم. {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر. {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم} لأكثر الناس، والآية اعتراض أو لأكثر الأمم المذكورين. {مِّنْ عَهْدٍ} من وفاء عهد، فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإِيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج، أو ما عاهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة مثل {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ} أي علمناهم. {لفاسقين} من وجدت زيداً إذا لحافظ لدخول أن المخففة واللام الفارقة، وذلك لا يسوغ إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيين إن للنفي واللام بمعنى إلا.
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى} الضمير للرسل في قوله: {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} أو للأمم. {بئاياتنا} يعني المعجزات. {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا} بأن كفروا بها مكان الإِيمان الذي هو من حقها لوضوحها، ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا. وفرعون لقب لمن ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس وكان اسمه قابوس. وقيل الوليد بن مصعب بن الريان. {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين}.
{وَقَالَ موسى يافرعون إِنّى رَسُولٌ مِن رَّبّ العالمين} إليك، وقوله: {حَقِيقٌ عَلَي أَن لا أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق} لعله جواب لتكذيبه إياه في دعوى الرسالة، وإنما لم يذكر لدلالة قوله: {فَظَلَمُواْ بِهَا} عليه وكان أصله {حَقِيقٌ عَلَيَّ أَنْ لا أَقُولَ} كما قرأ نافع فقلب لأمن الإِلباس كقوله: وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر.
أو لأن ما لزمك فقد لزمته، أو للإغراق في الوصف بالصدق، والمعنى أنه حق واجب على القول الحق أن أكون أنا قائله لا يرضى إلا بمثلي ناطقاً به، أو ضمن حقيق معنى حريص، أو وضع على مكان الباء لإفادة التمكن كقولهم: رميت على القوس وجئت على حال حسنة، ويؤيده قراءة أبي بالباء. وقرئ: {حقيق أن لا أقول} بدون {على}. {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إسراءيل} فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن آبائهم، وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال. {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ} من عند من أرسلك. {فَائْتِ بِهَا} فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك. {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في الدعوى.

.تفسير الآية رقم (107):

{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)}
{فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هي ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} ظاهر أمره لا يشك في أنه ثعبان وهو الحية العظيمة. روي: أنه لما ألقاها صارت ثعباناً أشعر فاغراً فاه بين لحييه ثمانون ذراعاً، وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر. ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث، وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً، وصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذه فعاد عصا.

.تفسير الآيات (108- 124):

{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}
{وَنَزَعَ يَدَهُ} من جيبه أو من تحت إبطه. {فَإِذَا هي بَيْضَاء للناظرين} أي بيضاء بياضاً خارجاً عن العادة تجتمع عليها النظارة، أو بيضاء للنظار لا أنها كانت بيضاء في جبلتها. روي: أنه عليه السلام كان آدم شديد الأدمة، فأدخل يده في جيبه أو تحت إبطه ثم نزعها فإذا هي بيضاء نورانية غلب شعاعها شعاع الشمس.
{قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} قيل قاله هو وأشراف قومه على سبيل التشاور في أمره، فحكى عنه في سورة الشعراء وعنهم ها هنا.
{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} تشيرون في أن نفعل.
{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ في المدائن حاشرين}.
{يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} كأنه اتفقت عليه آراؤهم فأشاروا به على فرعون، والإِرجاء التأخير أي أخر أمره، وأصله أرجئه كما قرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب من أرجأت، وكذلك {أرجئوه} على قراءة ابن كثير على الأصل في الضمير، أو {أَرْجِهْ} من أرجيت كما قرأ نافع في رواية ورش وإسماعيل والكسائي، وأما قراءته في رواية قالون {أَرْجِهْ} بحذف الياء فللاكتفاء بالكسرة عنها، وأما قراءة حمزة وعاصم وحفص {أَرْجِهْ} بسكون الهاء فلتشبيه المنفصل بالمتصل وجعل جِه كابل في إسكان وسطه وأما قراءة ابن عامر برواية ابن ذكوان {أرجئه} بالهمزة وكسر الهاء فلا يرتضيه النحاة فإن الهاء لا تكسر إلا إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة، ووجهه أن الهمزة لما كانت تقلب ياء أجريت مجراها. وقرأ حمزة والكسائي {بكل سحار} فيه وفي (يونس) ويؤيده اتفاقهم عليه في (الشعراء).
{وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ} بعد ما أرسل الشرطة في طلبهم. {قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} استأنف به كأنه جواب سائل قال: ما قَالُوا إذ جاؤوا؟ وقرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم {إِنَّ لَنَا لأَجْرًا} على الإِخبار وإيجاب الأجر كأنهم قالوا لابد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم.
{قَالَ نَعَمْ} إن لكم لأجراً. {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} عطف على ما سد مسده {نِعْمَ} وزيادة على الجواب لتحريضهم.
{قَالُواْ يَا موسى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} خيروا موسى مراعاة للأدب أو إظهاراً للجلادة، ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله فنبهوا عليها بتغيير النظم إلى ما هو أبلغ وتعريف الخبر وتوسيط الفصل أو تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل فلذلك: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا} كرماً وتسامحاً، أو ازدراء بهم ووثوقاً على شأنه. {فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ الناس} بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه. {واسترهبوهم} وأرهبوهم إرهاباً شديداً كأنهم طلبوا رهبتهم. {وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} في فنه. روي أنهم ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً كأنها حيات ملأت الوادي، وركب بعضها بعضاً.
{وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها فصارت حية.
{فَإِذَا هي تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} أي ما يزورونه من الإِفك، وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه، ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع الفعل بمعنى المفعول. روي: أنها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم، ثم أخذها موسى فصارت عصاً كما كانت فقال السحرة: لو كان هذا سحراً لبقيت حبالنا وعصينا. وقرأ حفص عن عاصم {تَلْقَفْ} هاهنا وفي (طه) و(الشعراء).
{فَوَقَعَ الحق} فثبت لظهور أمره. {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من السحر والمعارضة.
{فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صاغرين} أي صاروا أذلاء مبهوتين، أو رجعوا إلى المدينة أذلاء مقهورين، والضمير لفرعون وقومه.
{وَأُلْقِيَ السحرة ساجدين} جعلهم ملقين على وجوههم تنبيهاً على أن الحق بهرهم واضطرهم إلى السجود بحيث لم يبق لهم تمالك، أو أن الله ألهمهم ذلك وحملهم عليه حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى وينقلب الأمر عليه، أو مبالغة في سرعة خرورهم وشدته.
{قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ العالمين}.
{رَبّ موسى وهارون} أبدلوا الثاني من الأول لئلا يتوهم أنهم أرادوا به فرعون.
{قَالَ فِرْعَوْنُ ءامَنتُمْ بِهِ} بالله أو بموسى، والاستفهام فيه للإِنكار. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب وهشام بتحقيق الهمزتين على الأصل. وقرأ حفص {آمنتم به} على الإِخبار، وقرأ قنبل {قَالَ فِرْعَوْنُ}، و{آمنتم} يبدل في حال الوصل من همزة الاستفهام بهمزة ومدة مطولة في تقدير ألفين في طه على الخبر بهمزة وألف وقرأ في الشعراء على الاستفهام بهمزة ومدة مطولة في تقدير ألفين وقرأ الباقون بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الثانية. {قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ} أي إن هذا الصنيع لحيلة احتلتموها أنتم وموسى. {فِى المدينة} في مصر قبل أن تخرجوا للميعاد. {لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا} يعنى القبط وتخلص لكم ولبني إسرائيل. {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة ما فعلتم، وهو تهديد مجمل تفصيله: {لأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ} من كل شق طرفاً. {ثُمَّ لأُصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} تفضيحاً لكم وتنكيلاً لأمثالكم. قيل إنه أول من سن ذلك فشرعه الله للقطاع تعظمياً لجرمهم ولذلك سماه محاربة لله ورسوله، ولكن على التعاقب لفرط رحمته.